فرصة فرنجيه “تأخذ نفساً” جديداً؟

روزانا بومنصف – النهار

اكتسب احتمال وصول رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه الى رئاسة الجمهورية نفساً جديداً في الايام الاخيرة على رغم دلائل تراجع هذا الاحتمال فور الاعلان عن نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الماضي والتي أدت الى تراجع حصة تيار المرده داخل منطقة زغرتا بالذات، إذ إن ترشيح فرنجيه بدا أنه طار كلياً قبل أسابيع ليعود فينتعش أخيراً. تفيد معلومات تملكها مصادر ديبلوماسية أن اتصالات تجري مع قيادة “حزب الله” تتصل بالموضوع الرئاسي الذي يتحرك بقوة لكن بعيداً من الإعلام أو المواقف السياسية العلنية. لكن لا يبدو حتى الآن أن “حزب الله” في وارد تقديم وعود حاسمة بعد إزاء تبنّي ترشيح فرنجيه علناً كما فعل مع العماد ميشال عون فيما لا يبدو أنه يرغب، أو هو يحاذر في فعل ذلك لاعتبارات متعددة من بينها وفق المعلومات الديبلوماسية، أولاً: عدم خوضه بعد محاولة إقناع حليفه المسيحي أي الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل بدعم ترشيح فرنجيه. فالحزب في حاجة الى أن يرتب الموضوع مع عون وصهره الطامح الى حجز الرئاسة له ولا يزال يأمل ذلك تحت طائلة رفع سقف الضمانات التي سيطالب بها على قاعدة أن يضمن الحزب موقعه والكثير مما يرغب في الاحتفاظ به في المرحلة المقبلة. ثانياً احتمال حرق فرصة فرنجيه للرئاسة إذا بادر الحزب الى تبنّي ترشيحه على أنه مرشحه الوحيد الذي يمكن أن يفرض فراغاً رئاسياً مهما تكن مدة هذا الفراغ حتى فرض انتخابه. ثالثاً أن الحزب لن يرغب في أن يكون في واجهة تحمّل المسؤولية عن المزيد من الانهيار إذا تواصلت فصول هذا الانهيار القائمة منذ ثلاث سنوات، وهو ما يبدو مرجّحاً حتى الآن، لما يعنيه ذلك من استمرار السياسة نفسها التي تسيطر على البلد حتى لو أن فرنجية يرجح ألا يكون ميشال عون أو جبران باسيل وفق ما يسود الاعتقاد. وسيكون الحزب أمام مسؤولية اكبر في الانهيار إن كان وحده من سيسمّي أو يقرر هوية الرئيس المقبل. يضاف الى ذلك عامل الضغط الذي يشعر به الحزب من جانب إسرائيل من جهة ومن الداخل من جهة اخرى. ومفهوم أن إعلان الحزب ترشيح فرنجيه يمكن أن يثير ردة فعل رافضة من قوى سياسية أفرزتها الانتخابات النيابية بقوة اكبر فيما الاتجاه السائد هو عدم تكرار تجربة الخضوع لشروط الحزب في موضوع الرئاسة حتى لو بقي الشغور الرئاسي لسنوات طويلة وفق ما كان الاتجاه قبل بعض الوقت فيما الفشل التراكمي للقوى التي فازت في الانتخابات في فرض أكثريتها قد يضيف متغيّراً كبيراً الى هذه المعادلة الاخيرة.

لا يمكن الجزم باحتمال فوز فرنجيه بالرئاسة الاولى لا سيما أنه لأسابيع خلت كان الكلام يدور على بروفيل اقتصادي في الدرجة الاولى لرئيس الجمهورية المقبل، وهو خيار لا يزال مطروحاً لكن ربطاً بجملة اعتبارات أخذت بالتراجع أخيراً ومن بينها المتغيّرات الأساسية حتى في السياسة الفرنسية الداخلية ومن دون إسقاط احتمال أن يقفز اسم قائد الجيش العماد جوزف عون الى الواجهة على نحو قد يدفع به البعض تفادياً لخيار فرنجيه الذي سيكون بالنسبة الى قوى عدة استكمالاً لمنحى 8 آذار في السيطرة على الرئاسة الاولى.

وهذا العامل الاخير له محاذير داخلية من حيث إن احتمال انتخابه قد يواجه بصعوبات كبيرة في هذه الحال، فيما ترى المصادر الديبلوماسية من مصلحة فرنجيه ألا تظهر هذه الاعتبارات جميعها الى الواجهة لا في شأن تبنّي الحزب ترشيحه، ما يمكن أن ينعكس عليه سلباً داخلياً وخارجياً، ولا في احتمال تظهير فوزه بالرئاسة إذا حصل ذلك، غلبةً لفريق ضد آخر لا محلياً ولا إقليمياً، في ظل علاقاته الوثيقة المعروفة بالرئيس السوري بشار الأسد.

وهناك عاملان يعتقد أنهما قد يلعبان لمصلحة فرنجيه في ظل التلويح بهما أمام الخارج: أحدهما هو إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وفق ما بات يكثر الحديث أخيراً، وهو الامر الذي قد يطوي مقايضة أو توافقاً خارجياً في ظل عدم قدرة الخارج أياً يكن ولا سيما بعد التطورات الداخلية في فرنسا أخيراً، على الاهتمام بلبنان، فيما لا حد يرغب في المزيد من انهياره. وحتى رئيس الجمهورية ميشال عون دخل في هذا الاحتمال أي إجراء الانتخابات في موعدها طمعاً ربما بإغراء الخارج بانتخاب صهره فيما هذا الأخير لا فرصة له وهو محروق عربياً على عكس الواقع في ما خص فرنجيه، إذ يُنظر الى الأخير على ضوء جملة أمور من بينها أن الحزب هو الذي أحبط فوزه في الانتخابات عام 2016 بما لا يمكن وضع رئيس تيار المرده في خانة المحسوبية على الحزب تماماً كما ميشال عون وصهره، بينما أفرقاء سار سياسيون عديدون بدعم ترشيحه آنذاك. وهذا عنصر لم تبدّل المعطيات فيه الكثير لجهة هوية فرنجيه السياسية التي كانت معروفة سابقاً ومعروفة راهناً، لكن الحسابات باتت مختلفة.

العامل الآخر يتصل بواقع أن فرنجيه لا يُنظر إليه عربياً على الأقل على أنه خيار مماثل للرئيس الحالي فيما تمايز رئيس تيار المرده دوماً بأنه لم يأخذ مرة جانب إيران ضد الدول العربية وتالياً لا يثير كرهاً أو تحفظاً عربياً. وتالياً قد لا ترى دول عربية أن ثمة موانع رئيسية للسير بانتخابه ولا سيما إن كان ذلك يجنّب “وجع رأس” جديداً من لبنان، ويُعتقد على نطاق واسع أن أداء فرنجيه لن يشبه في أيّ حال أداء عون.

من العوامل كذلك التي أضيفت أخيراً، هذا الفشل الكبير في أداء القوى النيابية التي قلبت الاكثرية السابقة من حيث المبدأ لكن من دون القدرة على توظيفها في الحد الأدنى حتى الآن. ففي ظل السيناريوهات نفسها التي سادت بعد الانتخابات النيابية، يُخشى أن يخسر هؤلاء رهانهم الرئاسي مهما تكن تبريراته أو خسارته، علماً بأن إشكالية البحث وحتى الاختلاف والخلاف لن تختلف في اختيار الرئيس العتيد تماماً كما حصل في البحث عن رئيس حكومة جديد.

Leave A Reply